حالة الكوكب
كلمة أدلى بها الأمين العام في جامعة كولومبيا: ”حالة الكوكب"
الأصدقاء الأعزاء،
إننا نجتمع بهذه الطريقة غير الاعتيادية بينما نستهل الشهر الأخير من هذه السنة غير الاعتيادية تماما.
ونواجه جائحة مدمرة، ومستويات مرتفعة لم يسبق لها مثيل في الاحترار العالمي، ومستويات منخفضة لم نعهدها في التدهور الإيكولوجي، ونكسات جديدة في عملنا من أجل بلوغ الأهداف العالمية المحددة لتحقيق تنمية عادلة وشاملة ومستدامة.
وببساطة يمكن القول أن الكوكب في حالة محطمة.
الأصدقاء الأعزاء،
إن البشرية تشن حربا على الطبيعة.
وهذا انتحار.
والطبيعة دائما ترد - وهي ترد بالفعل بقوة وعنف متزايدين.
فالتنوع البيولوجي ينهار. إذ يتعرض مليون نوع لخطر الانقراض.
وتختفي النظم الإيكولوجية أمام أعيننا.
وتزحف الصحاري.
وتُفقد الأراضي الرطبة.
ونفقد كل عام 10 ملايين هكتار من الغابات.
وتعاني المحيطات من الإفراط في الصيد - وتختنق من جراء النفايات البلاستيكية. ويؤدي ثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه إلى تحمض البحار.
وتبيضّ الشعاب المرجانية وتموت.
ويقتل تلوث الهواء والماء 9 ملايين شخص سنويا – وهو أكثر من الحصيلة الحالية للجائحة بست مرات.
ومع زيادة تعدي البشر والماشية على الموائل الحيوانية وإخلالهما بالمساحات البرية، يمكن أن نرى مزيدا من الفيروسات والعوامل الممرضة الأخرى تنتقل من الحيوان إلى الإنسان.
وعلينا ألا ننسى أن 75 في المائة من الأمراض المعدية الجديدة والناشئة عند البشر مصدرها حيواني.
اليوم، يكشف تقريران جديدان موثوقان صادران عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة مدى اقترابنا من كارثة مناخية.
فسنة 2020 ماضية لتصبح إحدى السنوات الثلاث الأعلى حرارة في العالم على الإطلاق – حتى مع تأثير التبريد الناشئ عن ظاهرة لا نينيا هذا العام.
وكان العقد الماضي الأعلى حرارة في تاريخ البشرية.
وتبلغ حرارة المحيطات مستويات قياسية.
وفي هذا العام، شهد أكثر من 80 في المائة من المحيطات في العالم موجة حرارة بحرية.
وفي القطب الشمالي، شهد عام 2020 حرارة استثنائية، إذ زادت درجات الحرارة بـ 3 درجات مئوية عن المتوسط – وزادت بخمس درجات مئوية في سيبيريا الشمالية.
وكان جليد البحر القطبي الشمالي في تشرين الأول/أكتوبر في أدنى مستوى يسجل على الإطلاق – وهناك الآن عملية تجمد من جديد هي الأبطأ على الإطلاق.
واستمر جليد غرينلاند في انحساره الطويل الأمد، إذ يفقد في المتوسط 278 جيغاطن في السنة.
وتذوب الأراضي الدائمة التجمد وتطلق الميثان، وهو غاز قوي من غازات الدفيئة.
وأصبحت الحرائق والفيضانات المروعة والأعاصير أكثر فأكثر هي الوضع الطبيعي الجديد.
وشهد موسم الأعاصير في شمال المحيط الأطلسي 30 إعصارا، وهو أكثر من ضعف المتوسط في الأجل الطويل، ويحطم الرقم القياسي لموسم كامل.
ولا تزال أمريكا الوسطى تعاني من آثار إعصارين متتاليين، في أشد فترة أعاصير من هذا النوع في السنوات الأخيرة.
وفي السنة الماضية، كلفت هذه الكوارث العالم 150 بليون دولار.
وأدت تدابير الإغلاق التي فرضت بسبب جائحة كوفيد-19 إلى خفض الانبعاثات والتلوث مؤقتا.
لكن مستويات ثاني أكسيد الكربون لا تزال في مستويات قياسية - وهي في تزايد.
ففي عام 2019، بلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون 148 في المائة من مستويات ما قبل العصر الصناعي.
وفي عام 2020، استمر الاتجاه التصاعدي رغم تفشي الجائحة.
فقد زاد تركيز الميثان ارتفاعا – إذ بلغ 260 في المائة.
وزاد تركيز أكسيد النيتروز، وهو غاز دفيئة قوي يضر أيضا بطبقة الأوزون، بنسبة 123 في المائة.
في حين أن السياسات المناخية لم ترق بعد إلى مستوى التحدي.
فالانبعاثات زادت حاليا بنسبة 62 في المائة عما كانت عليه عندما بدأت المفاوضات المناخية الدولية في عام 1990.
وكل عُشر درجة مئوية من الاحترار يهم.
واليوم، بلغنا 1,2 درجة من الاحترار ونشهد بالفعل ظواهر مناخية قصوى غير مسبوقة وتقلبات في كل منطقة وفي كل قارة.
ونتجه نحو ارتفاع هائل في الحرارة يتراوح بين 3 و 5 درجات مئوية هذا القرن.
والعلم واضح وضوح الشمس: فلحصر ارتفاع درجات الحرارة في 1,5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل العصر الصناعي، ينبغي أن يخفض العالم إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6 في المائة تقريبا كل سنة من الآن وحتى عام 2030.
وبدلا من ذلك، يسير العالم في اتجاه معاكس – أي التخطيط لزيادة سنوية بنسبة 2 في المائة.
وتؤدي تبعات الاعتداء على كوكبنا إلى إعاقة جهودنا للقضاء على الفقر وإلى تعريض الأمن الغذائي للخطر.
وتجعل جهودنا من أجل تحقيق السلام أصعب بكثير، إذ تؤدي الاضطرابات إلى انعدام الاستقرار، والنزوح، والنزاع.
وليس من قبيل الصدفة أن يكون 70 في المائة من أكثر البلدان تعرضا للتأثر بتغير المناخ ضمن البلدان الأكثر هشاشة سياسيا واقتصاديا أيضا.
وليس من المصادفة أن تكون ثمانية من البلدان الخمسة عشر الأكثر عرضة للمخاطر المناخية تستضيف بعثة لحفظ السلام أو بعثة سياسة خاصة تابعة للأمم المتحدة.
وكما هو الحال دائما، يكون وقع الآثار أشد على أكثر الناس ضعفا في العالم.
فأولئك الذين هم الأقل تسببا في المشكلة هم الأكثر معاناة منها.
وحتى في العالم النامي، يكون المهمشون أول ضحايا الكوارث وآخر من يتعافون من آثارها.
الأصدقاء الأعزاء،
لنكن واضحين: إن النشاط البشري هو السبب الجذري لانزلاقنا إلى الفوضى.
لكن هذا يعني أن العمل البشري قادر على المساعدة في إيجاد حل لهذا الوضع.
فالتصالح مع الطبيعة هو المهمة التي ستميز القرن الحادي والعشرين. ويجب أن يكون في صدارة أولويات كل واحد، في كل مكان.
وفي هذا السياق، يمثل التعافي من الجائحة فرصة سانحة.
ويمكن أن نرى بصيص أمل في لقاح.
لكن ليس هناك لقاح للكوكب.
فالطبيعة تحتاج إلى إنقاذ.
وبينما نعمل للتغلب على الجائحة، يمكننا أيضا تجنب جائحة مناخية وإصلاح كوكبنا.
وهذا اختبار عظيم على صعيد السياسات. لكن في نهاية المطاف هذا اختبار أخلاقي.
فتريليونات الدولارات اللازمة للتعافي من جائحة كوفيد هي أموال نقترضها من الأجيال المقبلة. كل فلس من هذه الأموال حتى آخر واحد منها.
ولا نستطيع استخدام تلك الموارد للالتزام بسياسات تثقل كاهلهم بمقدار هائل من الديون على كوكب محطم.
لقد حان الوقت لنكبس على ”الزر الأخضر“. وأمامنا فرصة لا لتجديد الاقتصاد العالمي فحسب ولكن أيضا لإحداث تحول فيه.
فإيجاد اقتصاد مستدام يرتكز على الطاقة المتجددة سيهيئ فرص عمل جديدة، وبنى تحتية أنظف، ومستقبلا قادرا على الصمود.
وسيساعد إيجاد عالم شامل للجميع في كفالة تمتع الناس بصحة أفضل وفي احترام حقوق الإنسان الواجبة لهم احتراما تاما، وفي عيشهم بكرامة على كوكب سليم.
و ويجب أن يكون التعافي من جائحة كوفيد وإصلاح كوكبنا وجهين لعملة واحدة.
الأصدقاء الأعزاء،
اسمحوا لي بأن ابدأ بالتطرق لحالة الطوارئ المناخية. فأمامنا ثلاث ضرورات حتمية لمعالجة أزمة المناخ:
أولا، نحن بحاجة إلى تحييد أثر الكربون في العالم في غضون العقود الثلاثة المقبلة.
وثانيا، يتعين علينا مواءمة التمويل العالمي مع اتفاق باريس، الذي يمثل المخطط العالمي للعمل المناخي.
وثالثا، يجب علينا تحقيق تقدم في التكيف من أجل حماية العالم – ولا سيما الأشخاص والبلدان الأكثر ضعفا - من الآثار المناخية.
واسمحوا لي بأن أتطرق لها واحدة تلو الأخرى.
أولا، تحييد أثر الكربون – الانبعاثات الصافية الصفرية.
في الأسابيع الأخيرة، شهدنا تطورات إيجابية هامة.
فقد التزم الاتحاد الأوروبي بأن يصبح أول قارة محايدة مناخياً بحلول عام 2050 – وأتوقع أنه سيقرر خفض انبعاثاته بما لا يقل عن 55 في المائة عن مستويات عام 1990 بحلول عام 2030.
والتزمت المملكة المتحدة واليابان وجمهورية كوريا وأكثر من 110 بلدان بتحييد أثر الكربون بحلول عام 2050.
وأعلنت الإدارة المقبلة للولايات المتحدة عن نفس الهدف.
والتزمت الصين بأن تحقق هذا الهدف قبل عام 2060.
وهذا يعني أنه في مطلع العام المقبل ستكون بلدان تمثل أكثر من 65 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم وأكثر من 70 في المائة من الاقتصاد العالمي قد قطعت التزامات طموحة بتحييد أثر الكربون.
ويجب علينا تحويل هذا الزخم إلى تحرك.
ويتمثل الهدف الرئيسي للأمم المتحدة لعام 2021 في بناء تحالف عالمي حقا من أجل تحييد أثر الكربون.
وإني أومن إيمانا راسخا بأن سنة 2021 ستكون سنة كبيسة من نوع جديد – سنة طفرة كبيرة في اتجاه تحييد أثر الكربون.
وينبغي لكل بلد، وكل مدينة، وكل مؤسسة مالية، وكل شركة أن تعتمد خططا للانتقال إلى الانبعاثات الصافية الصفرية بحلول عام 2050 – - وأشجع المتسببين الرئيسيين في الانبعاثات على أن يقودوا الركب بأن يتخذوا الإجراءات الحازمة الآن ليكونوا على المسار الصحيح نحو تحقيق هذه الرؤية، وهو ما يعني تخفيض الانبعاثات في العالم بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010. ويجب أن يكون ذلك واضحا في المساهمات المحددة وطنيا.
ويجب على كل فرد أيضا أن يقوم بدوره - كمستهلك ومنتج ومستثمر.
والتكنولوجيا عنصر مؤازر لنا.
والتحليل الاقتصادي السليم حليف لنا.
ويكلف أكثر من نصف معامل الفحم العاملة اليوم أكثر مما يكلفه بناء منشآت جديدة للطاقة المتجددة.
وما برح قطاع الفحم يتلاشى.
وتقدر منظمة العمل الدولية أنه، على الرغم من الفقدان المحتوم لفرص العمل، فإن التحول إلى الطاقة النظيفة سيفضي إلى تهيئة ما صافيه 18 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030.
غير أنه من اللازم تماما أن يكون الانتقال عادلا.
ويجب علينا الاعتراف بالتكاليف البشرية للتحول في مجال الطاقة.
ويمكن أن تساعد الحماية الاجتماعية، والدخل الأساسي المؤقت، وتطوير المهارات والارتقاء بها في دعم العمال والتخفيف من أثر التغيرات الناجمة عن إزالة الكربون.
الأصدقاء الأعزاء،
إن الطاقة المتجددة هي الآن الخيار الأول ليس للبيئة فحسب وإنما أيضا للاقتصاد.
لكن هناك مؤشرات تبعث على القلق.
فقد استغلت بعض البلدان الأزمة لتتراجع عن تدابير الحماية البيئية.
وتزيد بلدان أخرى في نطاق استغلال الموارد الطبيعية وتتخلى عن الطموح المناخي.
وتنفق البلدان الأعضاء في مجموعة العشرين، في إطار خططها للإنقاذ، مبلغا لتمويل القطاعات المرتبطة بإنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري يتجاوز بما قدره 50 في المائة ما تنفقه على الطاقة الخفيضة الكربون.
وبصرف النظر عن الإعلانات، يجب على الجميع الخضوع لاختبار المصداقية.
وسأعطي مثالا بالنقل البحري.
فإذا كان قطاع النقل البحري بلدا، سيكون سادس أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم.
وفي مؤتمر قمة العمل المناخي المعقود في السنة الماضية، أطلقنا تحالف بلوغ الصفر في انبعاثات النقل البحري للضغط من أجل الوصول بانبعاثات سفن أعالي البحار إلى الصفر بحلول عام 2030.
ومع ذلك، فإن السياسات الحالية ليست متماشية مع تلك التعهدات.
ونحن بحاجة إلى أن نرى خطوات تنظيمية ومالية قابلة للإنفاذ حتى يتمكن قطاع النقل البحري من الوفاء بالتزاماته.
وإلا فسنهدر فرصة بلوغ الانبعاثات الصافية الصفرية.
وهذا نفسه ينطبق على قطاع الطيران.
الأصدقاء الأعزاء،
إن الأطراف الموقعة على اتفاق باريس ملزمة بتقديم الصيغ المعدلة لمساهماتها المحددة وطنيا، مشفوعة بالأهداف التي تعتزم تحقيقها بحلول عام 2030 في مجال خفض الانبعاثات.
وبعد عشرة أيام من الآن، سأقوم، إلى جانب كل من فرنسا والمملكة المتحدة، بعقد مؤتمر قمة بشأن الطموح المناخي احتفالا بالذكرى السنوية الخامسة لاتفاق باريس.
وبعد أقل من عام من الآن، سنجتمع جميعاً في غلاسكو في المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وستكون هاتان المناسبتان فرصتين تبين فيهما الدول بالتفصيل كيف ستبني طريق المستقبل بشكل أفضل، في إطار الاعتراف بالمسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة بحسب الظروف الوطنية - كما ورد في اتفاق باريس – ووفقا للهدف المتمثل في تحييد أثر الكربون في العالم بحلول عام 2050.
ثانيا، أود الآن أن أنتقل إلى مسألة التمويل الأساسية.
إن الالتزامات الرامية إلى الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر توجه إشارة واضحة إلى المستثمرين والأسواق ووزراء المالية.
غير أننا بحاجة إلى أن نذهب إلى أبعد من ذلك.
فالحكومات ينبغي لها جميعا أن تترجم التعهدات المعلنة في هذا الصدد إلى سياسات وخطط وأهداف بمواعيد زمنية دقيقة. فإن من شأن ذلك أن يوضح الرؤية ويزرع الثقة لدى الشركات والقطاع المالي للاستثمار فيما يصب في اتجاه بلوغ مستوى الصفر من صافي الانبعاثات.
ولقد حان الوقت:
لتحديد ما للكربون من كلفة؛
وللتخلص تدريجيا من تمويل الوقود الأحفوري وإنهاء الدعم المقدم للوقود الأحفوري؛
والتوقف عن بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة باستخدام الفحم - ووقف التمويل الموجه لتوليد الطاقة باستخدام الفحم على الصعيدين المحلي والخارجي؛
ونقل العبء الضريبي من الدخل إلى الكربون، ومن دافعي الضرائب إلى الملوثين؛
وإدماج هدف تحييد أثر انبعاثات الكربون في جميع السياسات والقرارات الاقتصادية والمالية؛
وإضفاء طابع الإلزامية على تقديم إقرارات عن المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ.
وينبغي أن يتدفق التمويل نحو الاقتصاد الأخضر، ومقومات القدرة على الصمود والتكيف، وبرامج الانتقال العادلة.
ويتعين علينا أن نحشد جميع التدفقات المالية العامة والخاصة وراء اتفاق باريس وأهداف التنمية المستدامة.
ويجب على المؤسسات الإنمائية المتعددة الأطراف والإقليمية والوطنية، والمصارف الخاصة، أن تلتزم جميعاً بمواءمة ممارساتها في مجال تقديم القروض مع الهدف العالمي المتمثل في الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر.
وأدعو جميع من يملكون أصولا أو يقومون بإدارتها إلى جعل تلك الأصول لا تنتج الكربون، والانضمام إلى المبادرات والشراكات الرئيسية التي أطلقتها الأمم المتحدة، بما في ذلك التحالف العالمي للمستثمرين من أجل التنمية المستدامة وتحالف مالكي الأصول بصفر انبعاثات الذي يمثل اليوم 5.1 تريليون دولار أميركي من الأرصدة.
ويتعين على الشركات أن تعدل من نماذج أعمالها – كما يتعين على المستثمرين أن يطلبوا من الشركات معلومات بشأن مدى المرونة في نماذج أعمالها.
وتدير صناديق المعاشات التقاعدية في العالم أصولاً بقيمة 32 تريليون دولار، الأمر الذي يجعلها في وضع فريد يمكنها من التأثير في مجريات الأمور، وعليها أن تقوم بذلك.
وأناشد البلدان المتقدمة النمو أن تفي بوعدها المعلن منذ وقت طويل بتقديم 100 بليون دولار سنوياً لدعم البلدان النامية في تحقيق الأهداف المسطَّرة، أهدافنا المناخية المشتركة.
فهذا مبتغى لم نحققه بعد.
وهذه مسألة عدل وإنصاف وتضامن ومصلحة ذاتية مستنيرة.
وأطلب من جميع البلدان أن تتوصل إلى حل وسط بشأن المادة 6 من اتفاق باريس في سياق التحضير لمؤتمر الأطراف السادس والعشرين، وذلك لكي نحصل في الأخير على قواعد واضحة وعادلة وسليمة بيئياً تتمكن على أساسها أسواق الكربون من أداء وظائفها كاملة.
وأرحب أيضا بما تقوم به فرقة العمل المعلن عنها في أيلول/سبتمبر، بأعضاء يمثلون 20 قطاعا وست قارات، لوضع مخطط لأسواق خاصة واسعة النطاق لمعاملات تعويض الكربون.
ثالثا، يجب علينا تحقيق تقدم في التكيف والقدرة على الصمود.
فنحن في سباق مع الزمن للتكيف مع مناخ يتغير بسرعة.
ويجب ألا يكون التكيف هو العنصر المنسي في العمل المناخي.
وحتى الآن، لا يمثل تمويل جهود التكيف سوى 20 في المائة من تمويل أنشطة مواجهة تغير المناخ، حيث لم يتعد 30 بليون دولار في المتوسط في عامي 2017 و 2018.
وهذا يعوق عملنا الأساسي الرامي إلى الحد من مخاطر الكوارث.
كما أنه ليس اختيارا ذكيا.
وقد وجدت اللجنة العالمية المعنية بالتكيف أن كل دولار يُستثمر في تدابير التكيف يمكن أن يحقق فوائد تبلغ 4 دولارات تقريباً.
فنحن هنا أمام واجب أخلاقي ومسوغ اقتصادي واضح لدعم البلدان النامية في التكيف وبناء القدرة على الصمود في وجه التأثيرات المناخية في الحاضر والمستقبل.
وقبل انعقاد مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، ينبغي لجميع الجهات المانحة والمصارف الإنمائية المتعددة الأطراف أن تلتزم بزيادة حصة التمويل الموجهة لجهود التكيف وبناء القدرة على الصمود لتصل إلى ما لا يقل عن 50 في المائة من الدعم الذي تقدمه لتمويل أنشطة مواجهة تغير المناخ.
ويمكن لنظم الإنذار المبكر، والهياكل الأساسية القادرة على الصمود في وجه تغير المناخ، وتحسين النشاط الزراعي في الأراضي الجافة، وحماية أشجار المانغروف، وغير ذلك من الإجراءات، أن تعطي العالم عائدا مضاعفا: تجنب الخسائر في المستقبل وتحقيق مكاسب اقتصادية ومنافع أخرى.
ويتعين علينا أن ننتقل إلى العمل في تقديم الدعم لجهود التكيف وفق منظور وقائي واسع النطاق وممنهج.
وتمس الحاجة إلى ذلك بشكل خاص بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية لأنها تواجه اليوم تهديدا وجوديا.
وحث الخطى نحو تحقيق القدرة على الصمود لا يقل أهمية عن حثها نحو الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر.
الأصدقاء الأعزاء،
دعونا نذكر أنفسنا بما يلي: لا سبيل إلى فصل العمل المناخي عن الصورة الأشمل لكوكبنا. فالأشياء كلها مترابطة - المشاعات العالمية والرفاه العالمي.
وهذا يعني أنه من واجبنا أن نعمل من منظور أوسع نطاقا، وعلى نحو أكثر شمولا، وعلى جبهات متعددة، لحفظ صحة كوكبنا التي تعتمد عليها حياة كل الكائنات.
فالطبيعة تطعمنا، وتكسونا، وتروي عطشنا، وتولد أوكسجيننا، وتشكل ثقافتنا ودياناتنا، وتحدد حتى هويتنا.
وكان من الممكن أن يكون عام 2020 ”عاما مشهودا “ للطبيعة. غير أن الجائحة كانت تخبئ لنا خلاف ذلك.
والآن يجب علينا أن نخصص 2021 لمعالجة حالة الطوارئ القائمة على كوكبنا.
ففي العام المقبل، ستجتمع البلدان في كونمينغ لوضع إطار للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 لوقف أزمة الانقراض ووضع العالم على طريق العيش في انسجام مع الطبيعة.
والعالم لم يحقق أيًّا من أهداف التنوع البيولوجي العالمية المحددة لعام 2020. ولذلك فنحن بحاجة إلى رفع الطموح وتمتين الالتزام لتحديد أهداف ووسائل تنفيذ قابلة للقياس، ولا سيما آليات للتمويل والرصد.
وهذا يعني:
■ إيجاد مناطق محمية أكثر عددا وأكبر مساحة وأنجع إدارة لكي يتسنى وقف تعدينا على الأنواع والنظم الإيكولوجية؛
■ إقامة زراعة ومصايد أسماك يكون لها أثر إيجابي على التنوع البيولوجي، بحيث نقلل من إفراطنا في استغلال وتدمير العالم الطبيعي؛
■ الإلغاء التدريجي للإعانات السلبية - تلك الإعانات التي تدمر التربة السليمة، وتلوث مجارينا المائية، وتؤدي بنا إلى إفراغ محيطاتنا من الأسماك؛
■ ترك أنشطة التعدين غير المستدامة وذات الأثر السلبي على الطبيعة، والانتقال إلى أنماط الاستهلاك المستدام على نطاق أوسع.
والتنوع البيولوجي ليس مجرد حياة برية ذات جمال وجاذبية؛ بل هو هذه المنظومة النابضة بالحياة بكل صنوفها.
وستعقد البلدان في عام 2021 أيضا المؤتمر المعني بالمحيطات لحماية البيئات البحرية في العالم وتعزيز صحتها.
فالإفراط في صيد الأسماك يجب أن يتوقف؛ ويجب تحقيق تراجع كبير في التلوث الناجم عن النفايات الكيميائية والنفايات الصلبة، ولاسيما المواد البلاستيكية؛ ويجب زيادة المحميات البحرية بشكل كبير؛ والمناطق الساحلية بحاجة إلى قدر أكبر من الحماية.
والاقتصاد الأزرق يتيح فرصا ذات شأن. فالسلع والخدمات التي مصدرها المحيطات تدر بالفعل 2,5 تريليون دولار سنوياً وتساهم بأكثر من 31 مليون وظيفة مباشرة بدوام كامل - على الأقل إلى أن حلت الجائحة.
ونحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة على نطاق عالمي لجني هذه الثمرات وحماية بحار العالم ومحيطاته من الضغوط الكثيرة التي تواجهها.
ويجب على المؤتمر العالمي المعني بالنقل المستدام الذي سيُعقَد في بيجين العام المقبل أن يعزز هذا القطاع الحيوي مع معالجة آثاره البيئية السلبية في الوقت نفسه.
ويجب أن يكون الهدف من عقد مؤتمر القمة المعني بالمنظومات الغذائية هو تحقيق تغيير في إنتاج الأغذية واستهلاكها على الصعيد العالمي. فالمنظومات الغذائية هي أحد الأسباب الرئيسية لفشلنا في البقاء ضمن حدود ما يطيق كوكبنا من الناحية الإيكولوجية.
وسنعلن في مطلع عام 2021 عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم الإيكولوجية، وستركز المبادرة على منع تدهور الغابات والأراضي والنظم الإيكولوجية الأخرى على نطاق العالم ووقف تدهورها وعكس اتجاهه. والعقد نداء استنهاض لكل من يريد معالجة الأزمة المزدوجة لفقدان التنوع البيولوجي وتغير المناخ بالعمل والإجراءات الفعلية.
وسينشئ المؤتمر الدولي المعني بإدارة المواد الكيميائية إطاراً لما بعد عام 2020 بشأن المواد الكيميائية والنفايات. فمنظمة الصحة العالمية ترى أن الإدارة السليمة للمواد الكيميائية يمكن أن تمنع ما لا يقل عن 1,6 مليون من الوفيات سنويا.
وسيكون عام 2021 أيضا عاما حاسماً في النهوض بالخطة الحضرية الجديدة. فمدن العالم هي الخطوط الأمامية الأساسية في مجال التنمية المستدامة – وهي وإن كانت معرضة للكوارث، فهي حواضن للابتكار والحركية. وعلينا ألا ننسى أن أكثر من 50 في المائة من البشرية يعيشون بالفعل في المدن - وهذه النسبة ستصل إلى ما يناهز 70 في المائة في عام 2050.
باختصار، يتيح لنا العام المقبل فرصا كثيرة لوقف الاستنزاف وبدء التعافي.
ومن أفضل حلفائنا في هذا الصدد الطبيعة نفسها.
فإن الحد من إزالة الغابات بشكل جذري واستعادة الغابات والنظم الإيكولوجية الأخرى بشكل ممنهج أكبر فرصة للتخفيف من آثار تغير المناخ على الطبيعة.
والواقع أن الحلول المستمدة من الطبيعة يمكن أن تحقق الثلث من صافي التخفيضات من انبعاثات غازات الدفيئة اللازمة لتحقيق الأهداف المسطرة في اتفاق باريس.
وقد قدر المنتدى الاقتصادي العالمي أن فرص الأعمال التجارية التي تتيحها الطبيعة يمكن أن تخلق 191 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030.
فالحائط الأخضر العظيم في أفريقيا وحده خلق 000 335 فرصة عمل.
ويمكن أن تساعد معارف الشعوب الأصلية، وقد صُقلت على مدى آلاف السنين من الاتصال الوثيق والمباشر مع الطبيعة، على تحديد معالم الطريق.
فالشعوب الأصلية وإن كانت لا تشكل سوى أقل من 6 في المائة من سكان العالم، فهي التي ترعى 80 في المائة من التنوع البيولوجي على اليابسة في العالم.
ونحن نعلم بالفعل أن الطبيعة التي تديرها الشعوب الأصلية تتدهور بسرعة أقل من سرعة تدهورها في الأماكن الأخرى.
ولما كانت الشعوب الأصلية تعيش على أراض من أكثر الأراضي ضعفا إزاء تغير المناخ والتدهور البيئي، فقد حان الوقت للإصغاء إلى أصوات هذه الشعوب والاعتراف بمعارفها واحترام حقوقها.
ولنعترف أيضا بالدور المركزي للمرأة.
فعلى المرأة يقع القسط الأوفر من آثار تغير المناخ والتدهور البيئي. فإن نسبة 80 في المائة من المشردين بسبب تغير المناخ من النساء.
ولكن النساء هن أيضا العمود الفقري للزراعة والمشرفات الرئيسيات على الموارد الطبيعية. وهن في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان البيئية في العالم.
ويرتبط تمثيل المرأة في البرلمانات الوطنية ارتباطاً مباشراً بتوقيع الاتفاقات المتعلقة بالعمل المناخي.
وبينما تعمل البشرية على وضع الاستراتيجيات لإدارة الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة وبناء اقتصاد أخضر، نحتاج إلى مشاركة مزيد من النساء ضمن دوائر صنع القرار.
الأصدقاء الأعزاء،
لقد سردت عليكم تفاصيل حالة هي من حالات الطوارئ، ولكنني لست فاقدا للأمل أيضا.
فأنا أنظر إلى تاريخ حافل بمظاهر التقدم التي تدل على ما يمكن تحقيقه - من إنقاذ طبقة الأوزون إلى خفض معدلات انقراض الكائنات إلى توسيع المناطق المحمية.
وثمة مدن كثيرة تتخذ طابعا أخضر باستمرار.
وتفضي ممارسات الاقتصاد الدائري إلى الحد من النفايات.
وما فتئ نطاق القوانين البيئية يتوسع.
ومن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ما لا يقل عن 155 دولة تعترف اليوم بحكم القانون بأن البيئة الصحية حق أساسي من حقوق الإنسان.
وقاعدة المعارف هي اليوم أكبر من أي وقت مضى.
ولقد سررت لما علمت أن جامعة كولومبيا أطلقت مدرسة مختصة بالمناخ، وهي أول مدرسة جديدة تُفتح هنا منذ ربع قرن. وهذا دليل رائع على الروح العلمية والقيادية.
ويبهجني أن أعرف أن كثيرا من أعضاء شبكة حلول التنمية المستدامة هم معنا اليوم بصفة ضيوف خاصين - سواء منهم رؤساء الجامعات والمستشارون والعمداء وأعضاء هيئات التدريس، وغيرهم من العلماء.
وتعمل مبادرة الأثر الأكاديمي للأمم المتحدة مع مؤسسات التعليم العالي من جميع أنحاء العالم. فإن مساهمات الجامعات ضرورية لنجاحنا.
الأصدقاء الأعزاء،
نحن أمام عالم جديد يتشكل.
فالناس اليوم أصبحوا يدركون أكثر فأكثر محدودية المعايير التقليدية، من قبيل الناتج المحلي الإجمالي، التي يمكن أن تعتبر فيها أنشطة ضارة بالبيئة أنشطة إيجابية من الناحية الاقتصادية.
إن العقليات آخذة في التغير.
فالناس صاروا يعون أكثر فأكثر أهمية خياراتهم اليومية الشخصية في الحد من انبعاثات الكربون واحترام حدود ما يطيق كوكبنا.
وصرنا نرى موجات ملهمة من التعبئة الاجتماعية يقودها الشباب.
من الاحتجاجات في الشوارع إلى حملات الدعوة على الإنترنت ...
من التعليم في الفصول الدراسية إلى العمل المجتمعي ...
من مخادع التصويت إلى أماكن العمل ...
في كل مكان ترى الشباب يدفعون الجيل الأكبر سنا إلى القيام بما يجب القيام به.
إنها لحظة الحقيقة للناس والكوكب على حد سواء.
لقد أوصلتنا الجائحة والمناخ إلى العتبة.
فلا ينبغي لنا أن نعود إلى ما كانت عليه الأمور من وضع يطبعه عدم المساواة والظلم وإحكام الخناق على الأرض دون مبالاة.
بل يجب علينا بدلا من ذلك أن نخطو في اتجاه أكثر أمنا وأكثر استدامة وإنصافا.
وبين أيدينا المخطط اللازم: خطة عام 2030، وأهداف التنمية المستدامة، واتفاق باريس بشأن تغير المناخ.
فالباب مفتوح؛ والحلول موجودة.
ولقد حان الوقت الآن لتغيير علاقة البشرية بالعالم الطبيعي ـ ولتغيير العلاقات فيما بيننا نحن البشر.
ويجب أن نقوم بهذا مجتمعين.
فالتضامن هو قوام الإنسانية. والتضامن هو سر البقاء.
هذا هو الدرس الذي علمنا إياه هذا العام، عام 2020.
واليوم والعالم يتخبط في الفرقة والفوضى بينما يحاول احتواء الجائحة، لنستخلصِ العبرة ولنغيرْ من مسلكنا في المنعطف الحاسم الماثل أمامنا.
شكرا لكم.