مصر: كيف يُحدث الاستشراف فرقًا على أرض الواقع؟
في المرة الأخيرة التي كتبت فيها منشورًا على هذه المدونة في نوفمبر 2018، كتبت عن خططنا لاستخدام حوارات الاستشراف كوسيلة لخلق صور وروايات عن البدائل المستقبلية لمصر في عام 2050.
أحد أهداف "حوارات الإسكندرية" هذه هو استخدام الاستشراف لمساعدتنا على بناء استجابات سياسية متكاملة ومبتكرة تتماشى مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. نعتقد أن الاستشراف، التي يأخذ عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ والاعتماد المتبادل كأمر مسلم به لاستكشاف مستقبل بديل، هو أفضل نهج لتحديد فرص التنمية الناشئة والمخاطر في السيناريوهات المختلفة التي تواجهها مصر.
لنأخذ على سبيل المثال النمو السكاني السريع في مصر. لا يزال يُنظر إلى النمو السكاني على أنه الأولوية الإنمائية الأكثر إلحاحًا التي ستحدد فعالية الأولويات الأخرى، مثل الحد من الفقر. من وجهة نظرنا، لدى العديد من المصريين " وجهة نظر قدرية" معينة عندما يتعلق الأمر بالنمو السكاني. إذا قمنا بعكس الأمور، فيمكننا تحويل هذه القضية إلى مكسب غير متوقع في سياق حقائق التنمية الناشئة الجديدة في مصر. كيف؟ من خلال الاستشراف. يُمكّن الاستشراف صانعي القرار والسكان ككل من اتخاذ قرارات مستنيرة تساعدهم على الإبحار في المستقبل ابتداء من الغد والاستجابة للتطلعات التي حددتها الدول الأعضاء في خطة عام 2030.
حوارات الإسكندرية حول الاستشراف
أطلقنا حوارات الإسكندرية، وهي سلسلة من الحوارات الاستشرافية التي تهدف إلى تحديد الخطوط العريضة لفرص التنمية المستدامة الجديدة لتحقيق الإمكانات الكبيرة لمصر، بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، المركز الرئيسي للتعلم والتفاهم في مصر. لكل حوار، ندعو ما بين 20 إلى 30 خبيرًا مواضيعيًا متميزًا. وفي سياق الحوارات، يجتمع قادة الفكر المصريون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والبيئة والزراعة والأوساط الأكاديمية والحكومية. يمتد كل حوار على يومي عمل كاملين، ويشمل مقدمة عن الاستشراف ومناقشات عامة والجوهر: تمارين استشراف في مجموعات لتخيل وبناء سيناريوهات وروايات مستقبلية محتملة. حتى الآن، أجرينا ثلاث حوارات من أصل ستة. وقد شملت الموضوعات:
- مجتمع شامل في مصر عام 2050. تضمن هذا الحوار الوصول إلى النظام الاجتماعي والاقتصادي للقرن الحادي والعشرين، مفاهيم جديدة للعدالة الاجتماعية والرفاه والمساواة والشمولية، العمل وسوق العمل، الابتكار التكنولوجي، التنمية الفضائية في المناطق الحضرية وكذلك في المناطق الريفية، المدن القديمة والمدن الجديدة، الثغرات / الانقسامات بين المناطق / المحافظات / الوجه القبلي والوجه البحري، التصرفات العقلية والصحة، طبيعة القدرة على الصمود، العلاقة المتغيرة بين المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية، والعدل والحوار بين الأجيال. في السيناريوهات التي أنشأناها، لعبت الحوكمة دورًا رئيسيًا في توجيه التغيير. ستحدد القوانين واللوائح والسياسات، بدرجة عالية، ما إذا كان التغيير الديموغرافي والتكنولوجي والاقتصادي والبيئي سيكون له تأثير إيجابي أو سلبي في المجتمع المصري في عام 2050 وما إذا كان هذا المجتمع سيكون شاملاً أم لا.
- الأشخاص المتعلمين في مصر عام 2050. تناول هذا الحوار طبيعة التعليم وأساسياته، البنية التحتية التعليمية المستقبلية، المشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مواطنة القرن الحادي والعشرين، الابتكار التكنولوجي، العلاقة بين الدولة والمواطن، نوع العقد الاجتماعي، سوق العمل الدولي، وقطاعات النمو الاقتصادي. سيحدث التغيير التحويلي لهذه السيناريوهات في علم أصول التدريس، مع التركيز على التعلم القائم على المتعلم والتعلم الجماعي، ما يجعله أكثر انسجامًا مع الاحتياجات الإبداعية والمبتكرة وحل المشاكل في القرن الحادي والعشرين.
- الحياة المستدامة في مصر عام 2050. تناول هذا الحوار التأثير المباشر وغير المباشر لتغير المناخ، أهمية الماء بكل أبعاده، مصادر الطاقة، القدرة على الصمود، أنماط الاستهلاك، الابتكار التكنولوجية، التنمية الفضائية والتحضر، التنمية الريفية، المخاطر والفرص الناشئة عن السكان والصحة، إنتاج الغذاء والأمن...
الدروس المستفادة من الجزء الأول من الحوارات
بعد تنظيم ثلاث حوارات، والتحضير لثلاث حوارات مقبلة، حان الوقت لاستخلاص بعض الدروس المستفادة من "الجزء الأول" بناء على ملاحظاتنا حتى الآن:
مشاركة الشباب أمر بالغ الأهمية - ولكن كيف؟
بينما نمضي قدمًا في تنظيم الحوارات، ندرك أنه من الضروري إشراك الشباب بشكل متساو. هم أصحاب مستقبلنا في نهاية المطاف. بعض الأسئلة التي طرحت خلال الحوارات هي: ما هي أفضل طريقة لضمان سماع أصوات الشباب؟ هل يمكن للتقاليد الثقافية أن تمنع المشاركين الشباب من التعبير عن آرائهم عندما يكون هناك شخصيات رفيعة في الغرفة نفسها؟
استكشفنا إدراج أصوات الشباب من خلال البيانات المصورة، ولكنها لم تساهم بشكل فعال في بناء السيناريوهات والروايات. للتأكد من أننا نستمع إلى ما يقوله الشباب، قررنا إجراء أحد الحوارات الثلاثة المتبقية حصريًا مع الطلاب الشباب ورجال الأعمال والمهنيين لاستيعاب مفهومهم للتنمية المستدامة في عام 2050.
بناء القدرات الوطنية
إن الاستشراف أداة مهمة لبناء السيناريوهات المستقبلية. للتأكد من استمرار اعتماد الاستشراف في العمل الذي نقوم به، قمنا ببناء كادر جديد من الخبراء. دربنا الميسرين المشاركين من مكتبة الإسكندرية حضوريًا على كيفية إجراء كل تمرين من تمارين الاستشراف، وكيفية التنبه للمحاكاة والأخطاء المعتادة في كل تمرين. ثم قاموا بتطبيق المهارات الجديدة التي اكتسبوها خلال اثنين من الحوارات حتى الآن.
متابعة الحوارات ...
نظرًا لأن تمارين الاستشراف هذه هي الأولى في مصر منذ حوالي 20 عامًا، فقد تلقينا ردود فعل إيجابية للغاية بحيث أعربت مختلف الهيئات الحكومية عن اهتمامها بعملنا وبالاستشراف بما يتجاوز الحوارات التي ننظمها. سنواصل تنظيم الحوارات الثلاثة المتبقية بالإضافة إلى مؤتمر ليوم واحد يجمع كل المشاركين من الحوارات الستة في يونيو 2019.