بعد مضي 5 سنوات على اتفاق السلام: بلدة لانو غراندي الكولومبية تسعى إلى تكوين "عائلة" من الأعداء القدامى
هذه القرية الصغيرة هي مثال على كيف يمكن، من خلال السلام والمصالحة - والعزم - تكوين "عائلة" جديدة من بين الأعداء القدامى.
توجهت أخبار الأمم المتحدة إلى المنطقة قبل زيارة الأمين العام المقرر لها أن تبدأ يوم الثلاثاء 23 نوفمبر وتستمر لمدة يومين.
يتعايش في مدينة لانو غراندي الكولومبية المقاتلون السابقون والسكان المحليون والجنود والشرطة. لم يكن من الممكن تصور ذلك قبل خمس سنوات فقط، قبل التوصل إلى اتفاق السلام الذي أنهى الصراع بين الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا.
عائلة من نوع ما
تعتبر جميع الأطراف نفسها ضحايا لصراع استمر لفترة طويلة. هم الآن "عائلة" من نوع ما. عائلة شهدت تقلبات وجروحًا تحتاج إلى التئام، ولكن في هذه الحالة، تساعد الأمم المتحدة من خلال "العلاج عن طريق المصالحة".
مفضلًا عدم ذكر اسمه، قال أحد أفراد وحدة صغيرة من الجيش، متمركزة على جانب الجبل حيث تقع لانو غراندي: "لقد جلب السلام العديد من الفوائد للفلاحين والمجتمعات والقوات العامة لعائلة لانو غراندي. نحن نعتني ببعضنا البعض، ونلتقي، ونرى كيف يمكننا مساعدة بعضنا البعض".
قالت لوزميلا سيغورا البالغة من العمر 67 عامًا، "نعم، نحن عائلة الآن"، وتذكرت كيف أنها كانت تستيقظ في العديد من الصباحات المليئة بالخوف.
"رأيت أناسًا مسلحين قادمين. يا إلهي! كم كان الأمر مخيفا! ظننا أنهم كانوا قادمين لقتلنا"، مضيفة أن المقاتلين المسلحين هاجموا القرية الواقعة على سفح الجبل "مرات عديدة" بل ونهبوا مزرعتها الصغيرة وأحرقوا كل شيء. لقد أُجبرت على ترك مزرعتها في الريف والذهاب للعيش في قرية مجاورة.
ولكن منذ توقيع اتفاق السلام، تقول السيدة سيغورا مبتسمة: "الآن أشعر بسعادة كبيرة لأنهم أعطوني منزلًا. الآن الوضع هادئ للغاية هنا. نعمل جميعا كعائلة واحدة. لقد [ساد] السلام، وحتى الآن، كل شيء يسير على ما يرام. جميعًا. لم أعد خائفة".
تعمل السيدة سيغورا الآن في مصنع جديد في أريباس، بدأ بمساعدة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
كلنا نعمل من أجل السلام
تدير كارمن توليا كاردونا توبيرك مصنع أريباس حيث تعمل السيدة سيغورا. تفضل السيدة كارمن التحدث عن الحاضر لأن الماضي مؤلم للغاية، على حد قولها. لم تكن راغبة في الحديث عن تفاصيل قصة شخصية تشمل مقتل زوجها في النزاع.
"أعتقد أن أفراد هذا المجتمع، على الرغم من العديد من الصعوبات التي مروا بها، إلا أنهم يعملون معا في تضامن من أجل نفس القضية نفسها وهي السلام. لم يعتقد أحد أبدا بأن هذا سيحدث".
"نحن هنا كمجتمع، ندعم بعضنا البعض، لأن الانسجام يعتمد كثيرًا على ذلك". وأضافت أن العديد من الأشخاص الذين نزحوا بسبب القتال بدأوا في العودة إلى لانو غراندي. "هذا شيء يحفزنا كثيرًا".
خايرو بويرتا بينيا، مقاتل سابق انضم إلى القوات المسلحة الثورية لكولومبيا عندما كان عمره 14 عامًا، "أي قبل حوالي 45 عاما" وهو يحضر الآن دورة تدريبية في مجال البناء. يقول خايرو إنه يشعر أيضًا بأنه جزء من عائلة لانو غراندي. "لدينا جميعا نفس الأهداف: العيش بشكل أفضل، والعمل في بيئة تسودها راحة البال".
بعد انتهاء فصله التدريبي الصباحي، أوضح السيد بينيا كيف تغيرت حياته في السنوات الخمس الماضية: "بعد اتفاقات السلام، باتت الحياة أكثر هدوءا. نشعر براحة البال ... التواجد مع العائلة، والنوم، والأكل، والعمل ... لم نعد نسمع صوت الطلقات والقنابل وطائرات الهليكوبتر التي تقوم بتحميل القوات".
كفاح مقاتل سابق من أجل حياة "طبيعية"
إفرايم زاباتا جاراميلو، هو أيضًا مقاتل سابق وصديق للسيد بينيا. كان يبلغ من العمر 21 عامًا عندما ترك وظيفته في مجال البناء في ميديلين وانضم إلى القوات المسلحة الثورية لكولومبيا في مقاطعة كاكيتا. يوضح كيف أنه انتقل من حمل البندقية في الجبال وهو الآن يكافح من أجل إعادة الاندماج في المجتمع "والحصول على مستوى معيشي عادي، مثل أي مواطن كولومبي".
يقول إفرايم زاباتا جاراميلو وهو جالس أمام ماكينة الخياطة التي يستخدمها لصنع الملابس للمجتمع، وذلك بفضل مساعدة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "نحن جميعًا هنا، من مقاتلين سابقين وغير مقاتلين، والشرطة والجيش، نمثل عائلة واحدة تناضل للمضي قدمًا من أجل السلام وعدم حمل السلاح مرة أخرى. يجب أن تكون الكلمة سلاحنا؛ [ويجب أن نستخدمها] ليس فقط للدفاع عن حقوقنا ولكن أيضا عن حقوق الشعب الكولومبي، وخاصة الفلاحين الذين تخلت عنهم الدولة".
تجلس إلى جانبه في ورشة الخياطة مونيكا أستريد أوكويندو، وهي فلاحة شابة لم تجلب لها اتفاقيات السلام راحة البال فحسب، بل العديد من فرص التعلم والتدريب بطرق أفادت المجتمع كثيرًا.
وعن ذلك تقول: "نحن نعتبر مثل عائلة واحدة لأننا نتشارك الأفكار والعمل".
مع شريط قياس متري معلق حول رقبتها، تشعر السيدة أوكويندو بالحماسة بشأن القمصان والبلوزات التي صنعتها يدويًا، والسترات الواقية التي تتعلم صنعها للبيع في المنطقة وما وراءها، بهدف حماية راكبي الدراجات النارية من الشمس والمطر والبرد.
مدرّسة قروية تساعد في بناء مجتمعها
عندما أُعلن أن 117 من المقاتلين السابقين سيتم نقلهم إلى لانو غراندي لإعادة إدماجهم، شعرت مارييلا لوبيز، وهي معلمة في مدرسة البلدة، بالخوف.
"ذهبت إلى المدينة وهناك جلست لأبكي. قلت كيف أتحدث عن السلام إذا لم أغفر؟ ولكن إن لم أغفر، فأنا من سيتألم لا أحد غيري. وقلت لنفسي إنني لا أريد أن تمر أي أسرة في كولومبيا بنفس التجربة التي عشتها، ومن اليوم سأساهم بكل ما أوتيت من قوة من أجل أن تتم عملية السلام ومن أجل أن تحدث المصالحة في لانو غراندي".
في وقت لاحق، عندما التقت مارييلا لوبيز بالمقاتلين السابقين، غيرت رأيها بشأنهم: "اعتقدنا بأن المقاتلين السابقين كانوا أشخاصا عدوانيين بسبب ما عشناه، ولكن عندما وصلوا، شعرت بأنهم لسوا سيئين... أعتقد أن العديد منهم هم أيضا ضحايا".
الأمم المتحدة تمد يد المساعدة
تقع قرية لانو غراندي في مقاطعة أنتيوكيا، ويبلغ عدد سكانها 150 نسمة. كما أنها تعد موقعا لإحدى المساحات الإقليمية للتدريب وإعادة الإدماج، والتي تسهل إعادة دمج المقاتلين السابقين في المجتمع المدني، وتسهم في إفادة المجتمعات المحيطة بها.
تشير التقديرات إلى أن 80 في المائة من السكان في أنتيوكيا علقوا في النزاع المسلح في كولومبيا. تاريخيًا، كانت المنطقة بمثابة معقل للعديد من الجماعات المسلحة التي عززتها الاقتصادات غير المشروعة - التعدين غير القانوني وزراعة المحاصيل غير المشروعة.
وكما أوضح لنا كل من تحدثت إليهم أخبار الأمم المتحدة من أجل إنجاز هذا المقالة، فإن تحقيق السلام وتكوين الأسرة يتكونان من العديد من العناصر: الثقة، والمصالحة، وإعادة الاندماج، والتسامح، والعمل الجاد.
منذ توقيع اتفاق السلام، ظلت بعثة الأمم المتحدة للتحقق في كولومبيا، إلى جانب العديد من وكالات ومكاتب الأمم المتحدة، تساعد عائلة لانو غراندي في رحلتها نحو السلام. وقد ظل هذا الدعم الأممي أساسيًا.
إجمالًا، وبدعم من الأمم المتحدة، تم إطلاق حوالي 15 مشروعًا - تتراوح من تصنيع الصابون إلى تربية الأسماك، والتعليم، وصنع الملابس، وتربية الماشية، والزراعة.
بعض الوعود لم يتحقق
ولكن مثل المسارات المتعرجة التي تخترق جبال لانو غراندي الخضراء والغابات الكثيفة، فإن الطريق إلى السلام به العديد من التقلبات والمنعطفات، ويتطلب عزما وتصميما من أجل الوصول إلى الغاية المطلوبة.
في الواقع، أشار كل من السيد زاباتا إفرايم والسيد بينيا إلى أن "بعض أهداف اتفاق السلام قد تحققت بينما لم تتحقق أهداف أخرى". وأشارا إلى أن الحكومة لم تتخذ بعد بعض الإجراءات الرئيسية في مجالات الإسكان والأرض والغذاء.
في الوقت نفسه، تعطلت العديد من المشاريع في لانو غراندي بسبب نقص التمويل أو المتابعة الفنية، وفي بعض الحالات، حتى بسبب عدم التزام المقاتلين السابقين.
علاوة على ذلك، منذ أبريل 2021، كانت هناك تأخيرات مستمرة وانخفاضات في الإمدادات الغذائية، مما تسبب في اضطرابات وشكوك حول الاستدامة طويلة الأجل بالنسبة لجهود إعادة الإدماج والمصالحة على المستوى المحلي.
خطت لانو غراندي ومجتمعات مثلها خطوات واسعة في أعقاب اتفاق السلام، ولكن في أماكن أخرى، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.
تقع بلدية أبارتادو بالقرب من لانو غراندي، حيث ستقيم الحكومة مراسم الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة لتوقيع اتفاقات السلام، والتي سيحضرها الأمين العام للأمم المتحدة.
بدأ مكتب العمدة في بناء "طريق سريع لربط المناطق الريفية (حيث يوجد المقاتلون السابقون) بالمدينة"، ولكن لا توجد حاليا موارد لإنهاء المشروع.
وحذر بعض أعضاء البلدية من أنه على الرغم من عدم وجود نزاع بين المقاتلين السابقين والمدنيين والعسكريين والقوات شبه العسكرية، إلا أنه لا توجد مصالحة أيضا؛ ولكن بدلا من ذلك، " يفعل كل واحد ما يحلو له دون التدخل في شؤون بالآخر"، وفقًا لما رواه البعض لأخبار الأمم المتحدة.
وفي مقاطعة أنتيوكيا نفسها، أصدر مكتب أمين المظالم 31 إنذارا تتعلق بجرائم القتل والهجمات والتهديدات والتشريد والوصم التي تعرض لها المقاتلون السابقون. منذ عام 2017، سجلت الدائرة 30 جريمة قتل وأربع حالات اختفاء، غالبيتهم العظمى من الرجال.
أخيرًا، في أجزاء أخرى من كولومبيا، مثل مقاطعة تشوكو، ورد أن الأمور أكثر خطورة، وأشار مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الخميس الماضي إلى أن الوضع "ينذر بالخطر" وأن "انتهاكات جسيمة" تُرتكب.
غوتيريش في كولومبيا
خلال زيارته، سيلتقي الأمين العام أنطونيو غوتيريش الرئيس الكولومبي إيفان دوكي ومسؤولين حكوميين آخرين، بالإضافة إلى قادة القوات المسلحة الثورية الكولومبية - الجيش الشعبي.
سيحضر غوتيريش الاحتفالات التذكارية ويراقب جهود بناء السلام والمصالحة التي يشارك فيها المقاتلون السابقون وممثلين عن المجتمعات والسلطات. ومن المتوقع أيضًا أن يلتقي غوتيريش رؤساء نظام العدالة الانتقالية، والناجين من النزاع المسلح، وقادة المجتمع المدني الكولومبي، بما في ذلك النساء والشباب وممثلو السكان الأصليين والأفرو - كولومبيين، فضلاً عن نشطاء حقوق الإنسان والمناخ.
وسيقوم الأمين العام بتقييم الإنجازات الرئيسة لعملية السلام، إضافة إلى التحديات القائمة. كما يعتزم نقل رسالة تشجيع قوية لمواصلة تنفيذ اتفاقية السلام بعيدة المدى والتغييرية لصالح جميع الكولومبيين.
نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع أخبار الأمم المتحدة. وقد تم إنتاجها بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للتحقق في كولومبيا.